من المسلم به أن عملية التواصل البشري بين ضفتيْ الزقاق لم تنقطع على امتداد العصور، فقد شكّل مضيق جبل طارق قنطرة تنْساب من خلالها الموجات البشرية، والسلع التجارية، والخبرات العلمية والإبداعات الثقافية. وإذا كان الفتح العربي الإسلامي لبلاد الأندلس سنة 711 م فاتحة عهد لتوافد المغاربة على شبه الجزيرة الإيبيرية، فإن موجات الهجرة سرعان ما غيّرت اتجاهها لتنطلق من الأندلس باتجاه المغرب، ولعل أقدمها تلك التي كانت في سنة 133 ﻫ، بسبب الفتنة والمجاعة، حينما «خرج أهل الأندلس إلى طنجة وأصيلا وريف البربر مجتازين ومرتحلين»، وكان لهذه الهجرة المبكرة «آثار إيجابية على عمران الشمال وتعريبه»([1])، مثلها في ذلك مثل هجرة الربضيين المشهورة إلى فاس أواخر القرن الثاني/ الثامن الميلادي، على عهد الحكم بن هشام الأموي، والذين استقروا بالعدوة التي تحمل اسمهم (عدوة الأندلس). وتوطّدت عرى الصلات البشرية بين المغرب والأندلس في القرون اللاحقة، خاصة عندما أصبحت الأندلس جزء من الإمبراطورية المغربية على عهد المرابطين والموحدين، وقد اتخذ توافد الأندلسيين أحيانا شكلا رسميا كما هو الحال مع هجرة أهل شرق الأندلس الذين استقروا برباط الفتح بناء على ظهير للخليفة الموحدي الرشيد سنة 637 ﻫ/ 1240 م، واستمرّت هجرات الأندلسيين إلى المغرب في العصر المريني، لتصل إلى مداها عقب سقوط غرناطة سنة 897 ﻫ/ 1492 م، بحيث توافد الأندلسيون على المغرب واستقروا في مُدنه وبواديه، في تطوان وأحوازها، وشفشاون، وبادس، وطنجة، وقبائل غمارة الريفية، وأصيلا، وسلا، وآسفي، وآزمور وأنفا...
بيد أن أهم فترات الهجرات الأندلسية الاضطرارية هي تلك التي أعقبت قرار طرد المورسكيين من إسبانيا المتخذ في مجلس الدولة يوم 4 أبريل 1609 م، وتميزت بكونها هجرات جماعية، حيث أقتُلِعت مجتمعات بأكملها من محيطها الاجتماعي الأندلسي لتغرس في عدد من مدن المغرب وبواديه. وقد تنوّع استقرار هؤلاء الأندلسيين بالمغرب تنوعاً كبيراً، إذ لم يقتصر على مناطق معينة، بل شمل مناطق عدّة من أقصى شمال المغرب إلى أقصى بلاد سوس. على أن أهمّ تجمعات الأندلسيين هي تجمعات مصبّ أبي رقراق وتطوان([2]).